للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضها يحصل إما الظلم وإما الانظلام، فجميع أصول الفضائل الخلقية أربعة،

وجميع الرذائل الخلقية ثمانية.

[بيان منازعة الهوى للعقل]

اعلم أن مثل نفس الإنسان في بدنه كمثل والٍ في بلده، وقواه وجوارحه بمنزلة صناع وعملة، والعقل له كمشير ناصح عالم، والشهوة فيه كعبد سوء جالب للميرة،

والحمية له كصاحب شرطة، والعبد الجالب للميرة خبيث ماكر يتمثل للوالي بصورة الناصح وفي نصحه ذنب العقرب، ويعارض الوزير في تدبيره، ولا يغفل ساعة عن منازعته ومعارضته، وكما أن الوالي في مملكته متى استشار في تدبيراته وزيره دون هذا العبد الخبيث، وأدب صاحب شرطته وجعله مؤتمرًا لوزيره، وسلطه على هذا العبد وأتباعه

حتى يكون هذا العبد مسوسًا لا سائسًا، ومدَّبرًا لا مدبِّرًا استقام أمر بلده. فكذلك النفس أيضًا متى استعانت بالعقل في التدبير، وأدبت الحمية وسلطتها علي الشهوة وقواها

استتب أمرها وإلا فسدت، ولهذا حذرنا اللَّه تعالى غاية الحذر من اتباع الهوى فقال: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)

وقال في ذم من اتبعه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)

وقال تعالى: (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ)

وقال في مدح من عصاه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)

وقال عليه الصلاة والسلام: " أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك "

إشارة إلى الهوى.

<<  <   >  >>