باقيًا، ولو لم يكن الدين لأصبح العقل حائرًا، واجتماعهما كما قال تعالى:(نُورٌ عَلَى نُورٍ) .
[تعذر إدراك العلوم النبوية على من لم يتهذب في العلوم العقلية]
المعقولات تجري مجرى الأدوية الجالية للصحة، والشرعيات تجري مجرى الأغذية الحافظة للصحة، وكما أن الجسم متى كان مريضًا لم ينتفع بالأغذية، ولم يستفد بها، بل يتضرر بها، كذلك من كان مريض النفس كما قال تعالى:(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، لم ينتفع بسماع القرآن الذي هو موضوع الشرعيات، بل صار ذلك ضارًّا له مضرة الغذاء للمريض، ولهذا قال تعالى:(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥) .
وأيضًا فالقلب بمنزلة مزرعة للمعتقدات، والاعتقاد فيه بمنزلة البذر إن خيرًا وإن شرًّا، وكلام اللَّه تعالى بمنزلة الماء الذي يسقيه، ولذلك سماه ماء على ما تقدم ذكره، فكما أن الماء إذا سقى الأرض يختلف نباته بحسب اختلاف بذوره، كذلك القرآن إذا ورد على الاعتقادات الراسخة في القلوب، تختلف تأثيراته، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى:(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ)