للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أنواع الكذب والسبب الداعي إليه]

الكذب إما أن يكون اختراعًا لقصة لا أصل لها، أو زيادة في القصة أو نقصانًا يغيران المعنى، أو تحريفًا بتغيير عبارة. فما كان اختراعًا يقال له: الافتراء والاختلاق، وما كان من زيادة أو نقصان فمَينٌ، وكل من أورد كذبًا في غيره، فإما أن يقوله بحضرة المقول فيه أو بغير حضرته، وأعظم الكذب ما كان اختراعًا بحضرة المقول فيه، وهو المعبر عنه بالبهتان، وكل من أورد حديثًا فإما أن يخبر به عن علم أو عن غلبة ظن أو عن ظن وتخمين واهٍ فما يقال عن علم فمحمود بلا شك، وما كان عن غلبة ظن فقد يحسن وقد يقبح، وما كان عن ظن واهٍ فمذموم، ولذلك قال تعالى

: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) .

واعلم أن الداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب الترأس، وذلك أن المخبر يرى أن له فضلًا على المخبر بما علمه فهو يتشبَّه بالعالم الفاضل في ذلك فيظن أنه يجلب بما يقوله فضيلة ومسرة، وهو يجلب به نقيصة وفضيحة، ففضيحة كذبة واحدة لا توازي مسرات دهره، فالكذب عار دائم وذل دائم، وحق الإنسان أن يتحرى الصدق ويتعوده ولا يترخص في أدنى كذب، فمن استحلاه عسر عليه فطامه، وقد قال بعض الحكماء:

كل ذنب يرجى تركه بتوبة أو إنابة ما خلا الكذب فإن صاحبه يزداد على الكبر، فقد رأينا شارب خمر أقلع، ولصًّا نزع، ولم نرَ كذابًا رجع، وعوتب كذاب في كذبة فقال: لو تغرغرت به وتطعمت حلاوته لما صبرت عنه، والله الهادي.

[الذكر الحسن من المدح والثناء]

محبة الذكر الحسن أشرف مقاصد أبناء الدنيا، وهي في جبلة الناس من

خصائصهم، ولا توجد في غيره من الحيوان كما قال الشاعر:

... ... ... ... ... ... حب الثناء طبيعة الإنسان

<<  <   >  >>