البهائم ممكنًا، فالوحش قد ينقل بالعادة إلى التأنس، والجامح إلى السلاسة.
لكن الناس في غرائزهم مختلفون، فبعضهم جبلوا جبلة سريعة القبول، وبعضهم جبلوا جبلة بطيئة القبول، وبعضهم في الوسط، وكل لا ينفك من أثر القبول وإن قل.
وأرى أن من منع من تغيير الخلق فإنه اعتبر القوة نفسها، وهذا صحيح فإن النوى محال أن ينبت الإنسان منه تفاحًا.
ومن أجاز تغييره فإنه اعتبر إمكان ما في القوة إلى الوجود وإفساده بإهماله كالنوى فإنه يمكن أن يتفقد فيجعل نخلًا وأن يترك مهملا حتى يتعفن ويفسد، وهذا صحيح أيضًا.
فإذن اختلافهما بحسب اختلاف نظريهما.
[صعوبة إصلاح القوة الشهوية وما في هذه التوة من المنفعة والمضرة]
أصعب هذه القوى الثلاث مداواة قمع الشهوة، لأنها أقدم القوى وجودًا في
الإنسان، وأشدها به تشبّثًا، وأكثرها منه تمكنًا، فإنها تولد معه وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه، بل في النبات الذي هو جنس جنسه، ثم توجد فيه قوة الحمية، ثم آخرًا توجد فيه قوة الفكر والنطق والتمييز. ولا يصير الإنسان خارجًا من جملة البهائم، وأسر الهوى إلا بإماتة الشهوات البهيمية أو بقهرها وقمعها إن لم يمكنه إماتتها، فهي التي تضره وتغره، وتصرفه عن طريق الآخرة، وتثبطه.
ومتى قهرها وأماتها صار الإنسان حرًّا نقيا، بل يصير إلهيًّا ربانيًّا، فتقل حاجاته ويصير غنيًّا عما في يد غيره، وسخيًّا بما في يده، ومحسنًا في معاملاته.
فإن قيل: فإذا كانت قوة الشهوة بهذه المثابة في الإضرار، فأي حكمة اقتضت أن