وتتبلغ معه بذلك، وإياك وأن تعرج معه إلى بث الحكمة وأن تذكر له شيئًا من الحقائق ما لم تتحقق أن له قلبًا طاهرًا لا تعافه الحكمة فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب "
وإن لكل تربة غرسًا ولكل بناء أسًّا وما كل رأس تستحق التيجان، ولا كل طبيعة تستحق إفادة البيان.
وإن كان لا بد فاقتصر معه على إقناع يبلغه فهمه، فقد قيل: كما أن لب الثمار معد للأنام فالتبن مباح للأنعام، كذلك لب الحكمة معد لذوي الألباب وقشورها مبذولة للأنعام، وكما أنه من المحال أن يشم الأخشم ريحانًا فمحال أن يفيد الحمار بيانًا، واعلم أن سبيل إنكار الحجة والسعي في إفسادها أسهل من سبيل المعارضة بمثلها والمقابلة لها، ولهذا يتحرى الجدل الخصيم أبدًا بالدفاع لا المعارضة بمثلها، وذلك أن الإفساد هدم وهو سهل والإتيان بمثله بناء وهو صعب، فإن الإنسان كما يمكنه قتل النفس الزكية وذبح الحيوانات وإحراق النبات، ولا يقدر على إيجاد شيء منها يمكنه إفساد حجة قوية بضرب من الشبه المزخرفة ولا يمكنه الإتيان بمثلها، ولأجل ما قلنا دعا الله - عز وجل - الناس في الحجج إلى الإتيان بمثلها لا إلى السعي في إفسادها، فقال تعالى:(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)
فرضي أن يأتوا بما فيه مشابهة له وإن كان ذلك مفترى، وقال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) . واللَّه الموفق.
[الوجوه التي من أجلها تقع الشبه ويتولد الخلاف]
السبب الموقع للشبه والمولد للخلاف على القول المجمل سببان: المعنى واللفظ.
فأما ما كان من جهة المعنى: فإما أن يكون من جهة الناظر أو من جهة المنظور فيه وهو الحجة، أو من جهة الآلة التي تستعمل في النظر فإن الناظر في الشيء المعتبر له جارٍ