من شأن العقل أن يرى ويختار أبدًا الأفضل والأصلح في العواقب، وإن كان على النفس في المبدأ مؤنة ومشقة، والهوى على الضد من ذلك فإنه يؤثر ما يدفع به المؤذي في الوقت، وإن كان يعقب مضرة من غير نظر منه في العواقب كالصبىِ الرمد الذي يؤثر أكل الحلاوات واللعب في الشمس على أكل الإهليلج والحجامة، ولهذا قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ".
وأيضًا فإن العقل يري صاحبه ما له وما عليه، والهوى يري صاحبه ما له دون
ما عليه ويعمي عليه ما يعقبه من المكروه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:" حبُّك الشيء يعمي ويصم "
ولذلك ينبغي للعاقل أن يتهم رأيه أبدًا في الأشياء التي هي له
لا عليه، ويظن أنه هوى لا عقل، ويلزمه أن يستقصىِ النظر فيه قبل إمضاء العزيمة، وحتى قيل: إذا عرض لك أمران فلم تدر أيَّهما أصوب فعليك بما تكرهه لا بما تهواه. فأكثر الخير في الكراهية، قال اللَّه تعالى:(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
وأيضًا فإن ما يرى العقل يتقوى إذا فزع فيه إلى اللَّه تعالى بالاستخارة، وتساعد عليه العقول الصحيحة إذا فزع إليها بالاستشارة، وينشرح له الصدر إذا استعين فيه