اللَّه تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش، ولذلك عظم اللَّه تعالى أمره فقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)
وقيل في قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)
أي: نزه نفسك عن الغدر، وقال تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨)
وقد عظم حال السموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع امرئ
القيس؛ ولقلة وجود ذلك في الناس قال اللَّه تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)
وقد ضرب به المثل في العزة فقيل: هو أعز من الوفاء. قال الشاعر:
أبى الناس إلا ذميم الفعال ... إذا جربوا وقبيح الكذب
[المشاورة]
اشتقاقها من شرت الدابة إذا استخرجت جريها، وهي استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد المرء فيها بين فعلها وتركها ونعم العدة هي، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه: " المشاورة حصن من الندامة وأمن عن الملامة "، وقيل: الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة، والرأي الواحد كالخيط السحيل
والرأيان كالخيطين والثلاثة إصرار لا ينقض، وكفاك بمدحها قول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
وقد استحسن الحكماء قول بشار:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم