الذي ينال الإنسانَ بسبب خير يصل إلى غيره على سبيل التمني أن يكون له مثله فهو غبطة، وإذا كان مع ذلك سعي منه أن يبلغ هو مثل ذلك من الخير أو ما هو فوقه فمنافسة، وكلاهما محمودان، وإن كان مع ذلك تمني زوال ما يصاحبه من غير استحقاق لزواله فحسد، والحسد: هو تمني زوال نعمة عمن يستحقها، ولربما كان مع ذلك سعي في إزالتها، والحاسد التام: هو الذي يكون حيث النفس تسعى في إزالة نعمة مستحقة من غير أن يكون طالبًا ذلك لنفسه، ولذلك قيل: الحاسد قد يرى زوال نعمتك نعمة عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن يغبط، والمنافق يحسد " فحمد
الغبطة، وقد قال تعالى:(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)
فحثنا على التنافس إذا كان باعثًا لنا على طلب المحاسن، وذلك كقوله تعالى:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاتة لا ينجو منها أحد:
الظن والطيرة والحسد، وسأخبركم بالمخرج من ذلك فإذا ظننت فلا تتحقق، وإذا تطيرت فامض ولا تنثن، واذا حسدت فلا تبغ "
أي: إذا أصابك غم بخير يناله غيرك فلا تبغ إزالته عنه.
واعلم أن الحسد من وجه غاية البخل، لأن البخيل يبخل بمال نفسه والحاسد يبخل بمال الله تعالى، ولذلك قيل: الحاسد بخيل بما لا يملكه، ومن وجه هو أظلم ظالم، لأنه يظلم غيره في إزالة حاله ويظلم ربه فيما قدره، وقد قيل: الحسد والحرص ركنا الذنوب ومنهما أنتج ذنب إبليس وآدم فإبليس حسد آدم فصار لَعِينًا وطريدًا، وآدم حرص على ما نهى اللَّه عنه فأخرج من الجنة، فهما شجرتان تجتنى منهما سائر الرذائل، فمن قطع أسبابهما نجا،
فإن قيل: فما وجه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا حسد إلا في اثنتين: