للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشار إليه بحرث الدنيا إلى هذه الأشياء السبعة على ما ذكرناه

عن علي كرم اللَّه وجهه، والعشرة على ما ذكره غيره، وكلا القولين في التحصيل واحد، والمراد بالنساء: اقتناؤهن والاستكثار منهن، وبالبنين: الذكور من الأولاد والحفدة والخدم، وبالأنعام: الأزواج الثمانية، وبالخيل: المسومة السائمة منها والمستعد،

واعلم أن الذي هو ضرورة للإنسان من هذه اللذات ولا قوام له في هذه الدنيا إلا به ما هو مشترك بينه وبين جنسه من الحيوان من المأكل والمشرب ويجمعهما اسم الغذاء

والمنكح، فبالغذاء بقاء الأشخاص، وبالنكاح بقاء الأنواع، ولذلك صارت الحاجة إليهما ضرورية وصار تناولهما لا بد منه، وسائر اللذات مخصوص بها الإنسان وليس بضروري له ويتناوله بفكره، وتأنف الملوك من هذه الملاذ إلا اثنتين: السماع، لكونه من وجه لذة روحانية، والبناء، لكونه دالّا على الهمة الرفيعة، ومتى كانت الشهوة متناهية عقلية كانت أم بدنية يقال لها: الحرص فقط، والحريص قد يكون محمودًا،

ولذلك قال تعالى: (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)

ومتى كانت الشهوة للقنيات قيل لها: الشره سواء كان مالًا أو طعامًا أو نكاحًا، ومتى كانت للطعام قيل لها: النهم، فإذا كانت للنكاح قيل لها: الشبق، وثلاثتها - أعني الشبق والنهم والشره - مذمومة وما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " منهومان لا يشبعان منهوم بالمال

ومنهوم بالعلم " فالنهم في العلم استعارة وهو أن يحمل على نفسه ما تقصر قواها عنه فينبت، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى ".

[فيما يحسن تناوله من المطعم وما يقبح منه]

الغذاء ضربان:

أحدهما: ما لا يستغنى عنه في تربية البدن كالطعام الذي به يتغذى

والماء الذي به يروى، والإنسان إذا تناول من ذلك مقدار لا يمكن التبلغ بأقل منه على ما يجب وكما يجب فهو معذور، بل مشكور ومأجور، وعلى هذا ما روي عند أكل الصالحين تنزل الرحمة، وحقه أن يتناوله تناول مضطر عالم بقذارة مآله، وأن يرى إدخاله في نفسه كدخول المستراح، ويتحقق أن نسبة الإنسان إلى الثمار والفواكه نسبة الجعل إلى الروث، فلو نطق الشجر لقال: لك أنت تأكل فضالتي كما يأكل الجعل فضالتك، والخنزير إذا استطاب لفاظة الإنسان فما هو إلا كاستطابتنا لفاظة الشجر،

<<  <   >  >>