روحًا في قوله:(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) .
وقد ذكرنا أن حاجة الإنسان إلى العلم أكثر من حاجته إلى المال، لأن العلم نافع لا محالة ونفعه دائم في الدنيا والآخرة، والمال قد ينفع وقد يضر، وإذا نفع فنفعه منقطع، فمن استفاد علمًا ثمَّ ضيعه أو تمكن من استفادته فأهمله فقد خسر خسرانًا مبينًا، كما قال تعالى:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) .
[الفرق بين العلم والعقل وبين العلم والمعرفة والدراية والحكمة]
العلم: إدراك الشيء بحقيقته، وهو ضربان:
أحدهما: حصول صور المعلومات في النفس.
والتاني: حكم النفس على الشيء بوجود شيء له هو موجود، أو نفي شيء عنه هو غير موجود له. نحو الحكم على زيد بأنه خارج أو ليس طائرًا، فالأول: هو الذي قد يسمَّى في الشرع وفي كلام الحكماء العقل المستفاد، وفي النحو المعرفة ويتعدى إلى مفعول، والثاني: هو الذي يسمى العلم دون العقل، ويتعدى إلى مفعولين، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما من حيث إن القصد إذا قيل: علمت زيدا منطلقًا إثبات العلم بانطلاق زيد دون العلم بزيد.
واعلم أن العقل والعلم بقياس أحدهما إلى الآخر على ثلاثة أوجه:
أحدها: عقل ليس بعلم وهو العقل الغريزي.
والثاني: علم ليس بعقل وهو المتعدي إلى المفعولين.
والثالث: عقل هو علم وعلم هو عقل، وهو العقل المستفاد والعلم الذي يقال له: المعرفة، ولا يصح أن يتعدى العقل إلى مفعولين فيقال: عقلت زيدًا منطلقا كما يقال في " علمت " لكون العقل موضوعًا للعلم البسيط دون المركب، وسمي عقلًا من حيث إنه مانع لصاحبه أن تقع أفعاله على غير نظام، وسمي علمًا من حيث إنه