حتى يتعودها وإن كان قد قيل: ترك العادة شديد.
والثالث: أن يعتقد في الباطل والقبيح أنه حق وجميل وتربى على ذلك، ومداواة هذا أصعب جدًّا، فقد صار ممن طبع على قلبه، إذ قد تنقش بنقش خسيس ككاغد كتب فيه ما يؤدي حذفه منه إلى خرقه وفساده.
والرابع: أن يكون مع جهله وتربيته على الاعتقاد الفاسد شريرًا في نفسه يرى الخلاعة وقهر الناس فضيلة، وذلك أصعب الوجوه، وإلى نحوه قصد من قال: من
التعذيب تأديب الذئب ليتهذب، وغسل المسح ليبيض.
فالأول من هؤلاء الأربعة يقال له: الجاهل، والثاني يقال له: جاهل وضال،
والثالث يقال له: جاهل وضال وفاسق، والرابع يقال له: جاهل وضال وفاسق وشرير.
[الارتقاء في درجات الفضائل والانحدار عنها إلى أقصى الرذائل]
للإنسان في منازل الفضائل مرتقى صعب ومنحدر سهل، وعلى الارتقاء فيها حث ربنا تبارك وتعالى بقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)
وبقوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)
ومدح قومًا بقوله: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)
وعن الانحدار منها نهى بقوله تعالى: (وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١)
وبقوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ)
وذم قومًا شأنهم ذلك بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥)
وبقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢)
وبقوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا)
فإن الآية تقتضي هذا المعنى وإن كان ظاهرها يدل على الجهل