فالخيرات يترقى فيها فيبلغ إلى أشرف المنازل بأربع درجات، وينحدر عنها فيبلغ إلى أرذل المنازل بأربع درجات.
فأما درجات الارتقاء:
فأولاها: أن يرتدع الإنسان عن المآثم ويهجرها، ويندم عليها، ويعزم على ترك معاودتها، وذلك أول درجة التائبين المطعين لله ورسوله.
وثانيها: أن يقوم بالعبادات الموظفة عليه، ويسارع فيها بقدر وسعه، وذلك درجة الصالحين.
وثالثها: أن يتحرى بعلمه الحقيقي تعاطي الحسنات من غير تلفتٍ منه إلى المحظورات بمجاهدة هواه، وإماتة شهواته، وذلك منزلة الشهداء.
ورابعها: أن يكون مع هذه الأحوال المتقدمة يرضى ظاهرًا وباطنًا بقضاء اللَّه وقدره فلا يتزعزع تحت حكمه، ولا يتسخط شيئًا من أمره، ويعلم أن اللًه تعالى أولى به من نفسه، وذلك درجة الصديقين.
وأجدر أن تكون هذه المنازل الأربع هي المأمور بها فىِ قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) .
واعلم أن منزلة الرضا أشرف المنازل بعد النبوة، فمن رضي عن اللَّه فقد رضي اللَّه
عنه " لقولى تعالى:(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
فجعل أحد الرضائين مقرونًا بالآخر، فمن بلغ هذه المنازل فقد عرف خساسة الدنيا، واطلع على جنة المأوى، وخطب مودة الملأ الأعلى، وحظى بتحيتهم المعنية بقوله تعالى:(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) .