حق الإنسان في كل فضيلة أن يكتسبها خلقًا، ويجعل نفسه ذات هيئة مستعدة لذلك، سواء أمكنه أن يبرز ذلك فعلًا أو لم يمكنه، وذلك بأن يكون على هيئة الأسخياء والشجعان والحكماء والعدول، وإن لما يكن ذا مال يبذله، ولا عرض له مقام تظهر فيه نجدته، ولا معاملة بينه وبين غيره تبرز فيها عدالته.
وقد قيل لبعض الحكماء:
هل من جود يعم به الورى، قال: نعم، أن تحسن خلقك وتنوي لكل أحد خيرًا.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ".
واعلم أن كل فعل يحتاج فيه إلى إيجاده وتزيينه وتجويده دنيويًّا كان أو أخرويًّا لكن متى كان أخرويًّا يحتاج فيه مع ذلك إلى أمور لا يتم ولا يكمل إلا بها، (وهي أنه يجب أن يتعاطاه) قصدًا إلى المكرمة وإلا لم يعتد بها) . كما قال تعالى:(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) .
وأن يتحراه بخلوص طوية كما قال تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
وألا يقصد به جلب منفعة دنيوية أو دفع مضرة، فإنه يكون بفعله ذلك
تاجرًا، ويجب عند بعض المحققين ألا يطلب به منفعة أخروية أيضا، فقد قيل:" من عبد اللَّه بعوض فهو لئيم " ومن فعل ذلك بانشراح صدر فهو أولى ممن يفعله بمجاهدة نفس، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن استطعت أن تعمل للَّه في الرضا باليقين فاعمل وإلا ففي الصبر على ما تكره خير كثير "، وقولهم:" الحق مر " فهو باعتبار من لم تتهذب