قيل: ضعفه بالإضافة إلى الملأ الأعلى لما فيه من الحاجات البدنية التي قد كفيها أولئك.
واعلم أن كل ما أوجد في هذا العالم فإنما أوجد لأجل الإنسان، إما لانتفاعه به كالخيل والبغال والحمير، أو الأغذية له كالبقر والغنم والحبوب والثمار، وإما لانتفاع ما ينتفع به الإنسان كالعشب والحشرات، وما لا يعرف الإنسان نفعه فليس يخرج عن كونه نافعًا، وقد بين الحكماء نفع جلها، وما لا سبيل لبعضنا أو لكلنا إلى معرفة نفعه
فليس جهلنا به قادحا في حكمة اللَّه تعالى في إيجاده. ورب شيء جهلنا نفعه
وقد سخر لمعرفته بعض الحيوان؛ كالشجر الذي فيه العسل بالقوة. وما سخر لمعرفته واستخراجه إلا النحل، وما أليق من أنكر حكمة اللَّه تعالى لجهله أن يُنشد:
عليَّ نحت القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ إذا لم تفهم البقر
واللَّه أعلم.
[بيان ما به يفضل الإنسان]
الإنسان وإن كان هو بكونه إنسانًا أفضل موجود فذلك بشرط أن يراعي ما به صار إنسانًا، وهو العلم الحق والعمل المحكم، فبقدر وجود ذلك المعنى فيه يفضل؛ ولهذا قيل: الناس أبناء ما يحسنون، أي ما يعرفون ويعملون من العلوم والأعمال الحسنة.
يقال: أحسن فلان إذا علم وإذا عمل حسنًا.
أما الإنسان من حيث ما يتغذى وينسل فنبات، ومن حيث ما يحس ويتحرك
فحيوان، ومن حيث الصورة التخطيطية فكصورة في جدار.
وإنما فضيلته بالنطق وقواه ومقتضاه؛ ولهذا قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة، فالإنسان يضارع الملك بقوة العلم والنطق والفهم، ويضارع البهيمة بقوة الغذاء والنكاح، فمن صرف همته كلها إلى تربية الفكر بالعلم والعمل
فخليق أن يلحق بأفق الملك فيسمى ملكًا وربانيًّا كما قال تعالى: (إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) ،
ومن صرف همته كلها إلى تربية القوة الشهوية باتباع اللذات