(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) .
وبالاعتبار بمثلهم قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)
وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)
فجعلها لهم إرثًا، ثم قال: (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦)
أي: من تحرى فىِ تناول الدنيا عبادة اللَّه فإنه يبلغ بذلك مقصوده المذكور في قوله: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)
وقال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) .
والفضل هو الإحسان، فنبَّه جمذلك أن تناول المال إذا تُحري به الوجه الذي يجب كما يجب فهو فضل وإحسان يستحق به الثواب وعلى ذلك قوله: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)
وقال في مدح قوم يتناولون الدنيا كما يجب من حيث ما يجب: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) .
[في بيان ما ورد من الآيات المتفاوتة الظاهر في شأن الدنيا]
من تصور الجوه الثلاثة التي تقدم ذكرها في تناول الدنيا سقطت شبهته فيما ورد من الآيات والأخبار المتفاوتة في الظاهر، من ذم الدنيا وأعراضها تارة، ومدحها تارة، وذلك أن ما جاء من ذمها فاعتبارًا بمن رضيها حظًّا لنفسه، وجعلها مبلغ مراده، كما قال تعالى: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا) .
وما جاء من مدحها فباعتبار تناولها وإنفاقها على ما يحمد، وعلى ذلك ما قال أمير المؤمنين علي كرم اللَّه وجهه: " الدنيا دار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها.
الناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها ".
وعلى هذين الوجهين مدح تارة عمارة الأرضين فقال تعالى: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " من غرس غرسًا لم يأكل منه طائر ولا بهيمة إلا كان له صدقة ".
وقد ذم مرة عمارتها فقال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا)