وطريقهما متنافيان، وقد ضرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم اللَّه وجهه - لذلك ثلاثة أمثلة فقال:" إن مثل الدنيا والآخرة ككفتي الميزان لا ترجح إحداهما إلا بنقصان الأخرى، وكالمشرق والمغرب كل من قرب من أحدهما بعد عن الآخر، وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى "، ولذلك نرى أقوامًا أكياسًا في تدبير الدنيا وسياستها بلهاء في تدبير أمور الآخرة، وقومًا بلهاء في أمور الدنيا أكياسًا في أمور الآخرة،
حتى قال عليه الصلاة والسلام:" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ".
وقال لمن نسب بعض الصالحين إلى بعض البله:" أكثر أهل الجنة البله ".
ولاختلاف طريقهما قال الحسن - رحمه الله -: " لقد أدركنا أقوامًا لو رأيتموهم لقلتم: مجانين، ولو رأوكم لقالوا: شياطين ".
ولقلة الاعتداد بالمعارف الدنيوية قال رجل لمن وصف نصرانيا بالعقل: مه، إنما العاقل من وحَّد اللَّه تعالى وعمل بطاعته، وقال تعالى حكاية عن أهل النار:(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) .
ومن تصور اختلاف الطريقين - أعني طريق الدنيا وطريق الآخرة - لم تعرض له الشبهة التي عرضت لقوم قالوا: لو أن هاهنا حقا لما جهله الذين لم يلحق شأوهم في تدبير الدنيا ودقائق الصناعات وواضعو الحكم والسياسات، وذلك أنه كما أن من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما لا يوجد إلا في المغرب، أو يظفر سالك طريق الغرب بما لا يوجد إلا في الشرق، كذلك من المحال أن يظفر سالك طريق معارف الدنيا