والرابع: جارٍ مجرى جماعة سلكوا منهجًا واحدًا لكن أخذ كل واحد شعبة غير شعبة الآخر، وهذا هو الاختلاف المحمود بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الاختلاف في هذه الأمة رحمة " ونحوه
نظر من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب، ولأجل الفرق الثلاث أمرنا أن نستعيذ باللَّه تعالى ونتضرع إليه بقوله:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)
وجميع الخلاف الواقع في هذه الأمة اثنان وسبعون على ما ورد في الخبر لا زائدًا ولا ناقصًا، وقد روي الخبر في ذلك على وجهين:
أحدهما:" ستفترق أمتي على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة "، وفي الخبر الآخر:" كلها في الجنة إلا واحدة " وهم الزنادقة
وهذان خبران لا يمتنع أن يكونا صحيحين، ولكن على نظرين ومعنيين، وقد ذكر ذلك وبين في رسالة مفردة. وصلى اللَّه وسلم على سيدنا محمد خير خلقه.
[النطق والصمت]
النطق أشرف ما خص به الإنسان، فإنه صورته المعقولة التى بها باين سائر الحيوان، ولهذا قال تعالى:(خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)
ولم يقل: وعلمه البيان، إذ جعل قوله:(عَلَّمَهُ) تفسيرًا لقوله: ((خَلَقَ الْإِنْسَانَ تنبيهًا أن خلقه تعالى إيَّاه هو تخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعًا عنه لكانت الإنسانية مرتفعة، ولذلك قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة، وقيل: المرء مخبوء تحت لسانه، وقال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم