الفضيلة فيكون محمودًا، ولا يكون للنفع، فإن النفع يراد لغيره، والفضيلة واللذة يرادان لأنفسهما.
[فضيلة المحبة]
أحد أسباب نظام أمور الناس المحبة، ثم العدل، ولو تحاب الناس وتعاملوا بالمحبة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبة يستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظم الله تعالى المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة فقال تعالى:(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)
أي: محبة في القلوب تنبيهًا أن ذلك أجلب للعقائد وهو أفضل من المهابة، فإن المهابة تنفر والمحبة تؤلف، وقد قيل: طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة، فإن طاعة المحبة من داخل، وطاعة الرهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا، وإذا عمروا عمروا.
ولفضل وقوع المحبة شرعًا شرع الله تعالى اجتماع أهل الملة الواحدة في مساجدهم كل يوم خمس مرات لإقامة صلاتهم، واجتماع أهل البلد الواحد كل أسبوع مرة في الجامع،
واجتماع أهل المدينة وأهل السواد كل سنة مرتين في الجبانة، واجتماع أهل البلدان النائية في العمر مرة بمكة، كل ذلك ليتأكد باجتماعهم الأنس، وليقع بسبب ذلك الود.
[فضيلة الصداقة]
الصديق يحتاج إليه في كل حال: إما عند سوء الحال فليعاونوه، وإما عند حسن الحال فليؤانسوه وليضع معروفه عندهم، ومن ظن أنه يمكنه الاستغناء عن صديق مغرور، ومن ظن أن وجوده سهل فمعتوه.
ولكثرة نفعه سئل حكيم عن الصديق فقال: هو أنت بالنفس إلا أنه غيرك
بالشخص، ولعزة وجوده سئل عنه آخر فقال: هو اسم واقع على غير معنًى، فإنه حيوان غير موجود، ومن وجد إخوانا ذوي ثقة وجد بهم عيونًا وآذانًا وقلوبًا كلها له فيرى الغائب بصورة الشاهد واختيار من تركن إليه لتصادقه أمر صعب، إذ قد يتشيع لك الناقص فتظنه فاضلًا فيكون: كمن يحسب الشحم فيمن شحمه ورم.