للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففرع الطيبة النور والإسلام، وفرع الخبيثة الكفر والضلال. فإن قيل: ما الفرق بين الشهوة والهوى، قيل: الشهوة ضربان: محمودة ومذمومة.

فالمحمودة من فعل اللَّه سبحانه، وهي قوة جعلت في الإنسان لتنبعث بها النفس لنيل ما يظن فيه صلاح البدن.

المذمومة من فعل البشر ... وهي استجابة النفس لما فيه لذتها البدنية، والهوى هو هذه الشهوة الغالبة إذا استتبعت الفكرة، وذلك أن الفكرة بين العقل والشهوة، فالعقل فوقها والشهوة تحتها، فمتى ارتفعت الفكرة ومالت نحو العقل صارت رفيعة فولدت المحاسن، وإذا اتضعت ومالت نحو الهوى والشهوة صارت وضيعة وولدت المقابح.

والنفس قد تريد ما تريد بمشورة العقل تارة وبمشورة الهوى تارة، ولهذا قد يسمى الهوى إرادة.

[في ذكر الخاطر الذي يعرض من جهة العقل والهوى]

أول ما يعرض من ذلك السانح ثم الخاطر، وإلى ذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق "، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)

ثم من بعدهما الإرادة ثم العزم ثم العمل.

فالسانح علة الخاطر، والخاطر علة الإرادة، والإرادة - وهي الهمة - علة العزم، والسانح والخاطر يعبر عنهما بالهاجس والواجس ويتجافى عنهما ما لم يصيرا إرادة وعزمًا.

فحق الإنسان إذا خطر له خاطر أن يسبره عاجلًا، فإن وجده خيرًا رباه حتى يجعله فعلًا، وإن وجده شرًّا بادر إلى قلعه وقمعه قبل أن يصير إرادة، ويطهر قلبه منه تطهير أرضه من خبيثات النبات، وهذا المعنى أراد الحسن - رحمه الله - بقوله: رحم اللَّه عبدًا وقف عند همه، فإن كان للَّه أمضى وإلا كف.

قال بعض الحكماء: إن تداركت الخطرة اضمحلت وإلا صارت شهوة، وإن

<<  <   >  >>