بالعبادة. وما يشير به الهوى فبالضد من ذلك.
وأيضًا فالعقل يرى ما يرى بحجة وعذر، والهوى يرى ما يرى بشهوة وميل.
وربما تشبَّه الهوى بالعقل فيتعلق بشهوة مزخرفة ومعذرة مموهة كالعاشق إذا سئل عن عشقه، والمتناول لطعام رديء إذا سئل عن فعله.
قال بعض العلماء: إذا مال العقل نحو مؤلم جميل والهوى نحو ملذ قبيح فتنازعا
بحسب غرضيهما وتحاكما إلى القوة المدبرة بادر نور اللَّه تعالى إلى نُصرة العقل
ووساوس الشيطان إلى نُصرة الهوى كما قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) .
فمتى كانت القوة المدبرة من أولياء الشيطان ومحبيه لم تر نور الحق فعميت عن نفع الأجل، واغترت بلذة العاجل، فجنحت إلى الهوى، كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) .
ومتى كانت من حزب اللَّه وأوليائه اهتدت بنوره، فاستهانت بلذة العاجل، وطلبت سعادة الآجل كما قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) .
ومما نبَّه به على فساد الهوى قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)
أي لو أعطي كل إنسان ما يهوى - مع أن كل واحد يهوى أن يكون أغنى الناس وأعلاهم منزلة، وأن ينال في الدنيا الخير الأبدي بلا مزاولة (ولا يعلم أنه أعطى ذلك) لكان فيه فساد العالم بأسره.
وقيل في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦)
ضرب الشجرة الطيبة مثلًا للعقل، والخبيثة مثلًا للهوى،