وقد قال تعالى:(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) .
واعلم أن كل كلام خرج على وجه المثل للاعتبار دون الإخبار فليس بكذب في الحقيقة، ولهذا لا يتحاشى المحّجوزون من التحدث به كقولهم في الحث على مداراة العدو والتلطف في خدمة الملوك أن سبعًا وذئبًا وثعلبًا اجتمعوا فقالوا: نشترك فيما نتصيد فصادوا عيرًا وظبيًا وأرنبًا، فقال السبع للذئب: اقسم، فقال الذئب: هو مقسوم العير لك والظبي لي والأرنب للثعلب، فوثب السبع فأدماه، ثم قال للثعلب: اقسم، فقال:
هو مقسوم العير لك لغذائك، والظبي لمقيلك، والأرنب لعشائك، فقال السبع: من علمك هذه القسمة المليحة، فقال: علمني الثوب الأرجواني الذي على الذئب، وعلى المثل حمل قوم قوله تعالى:(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ)
فقالوا: يصح هذا لما كان مثلًا وإن لم تجرِ العادة بوجود الحبة هكذا.
[ما يحسن ويقبح من الصدق والكذب]
ذهب كثير من المتكلمين إلى أن الصدق يحسن لعينه والكذب يقبح لعينه، وقال كثير من الحكماء والمتصوفة: إن الكذب يقبح لما يتعلق به من المضار الحاصلة منه، والصدق يحسن لما يتعلق به من المنافع الحاصلة منه وذلك أن الأقوال من جملة الأفعال.
وشيء من الأفعال لا يحسن لذاته، بل إنما يحسن ما يحسن لما يتعلق به من المنافع، ويقبح ما يقبح لما يتعلق به من الضرر الموفي على ما فيه من النفع وبالعكس، ألا ترى أن أعظم ما يجري في العالم القتل والغصب، وقد يقع كل واحد منهما على وجه يحسن وعلى وجه يقبح، وكذا المقال من الصدق والكذب، ولذلك قل - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحسن
الكذب إلا في ثلاث: إصلاح ذات البين، وكذب الرجل لامرأته ليرضيها، وكذب الرجل في الحرب فإنها خدعة "،
وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أتاكم عني حديث يدل