ويتحراه من عناده الحق، ومن ترك النظر، والإخلال بتزكية النفس المعني بقوله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠) .
[كون العلوم مركوزة في نفوس الناس]
نفس الإنسان معدن الحكمة والعلوم، وهي مركوزة فيها بالفطرة، مجعولة لها
بالقوة، كالنار في الحجر، والنخلة في النواة، والذهب في الحجارة، وكالماء تحت الأرض، لكن كما أن من الماء ما يجري من غير فعل بشري، ومنه ما يعاين تحت الأرض، لكن لا يتوصل إليه إلا بدلو ورشاء، ومنه ما هو كامن يحتاج في استنباطه إلى حفر وتعب شديد، فإن عني به أدرك وإلا بقي غير منتفع به، كذا العلم في نفوس البشر، منه ما يوجد من غير تعلم بشري وذلك حال الأنبياء، فإنه تفيض عليهم المعارف من جهة الملأ الأعلى، ومنه ما يوجد بأدنى تعلم، ومنه ما يصعب وجوده كحال أكثر عوام الناس.
فنبَّه أنهم أقروا أن اللَّه هو الذي يربيهم ويغذيهم ويرزقهم ويكملهم من الطفولية. فهذا إقرار نفوسهم كلهم بما ركز في عقولهم.
فأما الإقرار باللسان فلم يحصل من كلهم، وكذا المعني بقوله تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
أي: لو اعتبرت أحوالهم لكانت نفوسهم وجوارحهم تنطق بذلك؛ وعلى هذا قوله تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) .
فبين أن الدين الحنيف وهو المستقيم قد فطر الناس عليه، أي: خلقهم عالمين به، وأن المعاندين وإن قصدوا تبديله وإزالة الناس عنه لم يقدروا عليه، وعلى ذلك قوله