للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتقاده في حجر أنه هو صانعه وأنه يستحق عبادته.

وقد قال في موضع آخر إشارة إلى ما يعم في هذا المعنى وغيره: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)

وقد قال بعض الحكماء: مثل الإنسان وشغفه بهذا الحجر، بل سائر

الأعراض الدنيوية كمثل قوم كانوا في سفينة يقصدون أفضل بلد وأطيبه، فانتهت بهم السفينة إلى جزيرة أرادوا الخروج إليها والتفسح فيها للطهارة، والجزيرة ذات أسود وأساود، فأمروا بالخروج وأن يكونوا على حذر، فلما خرجوا إليها رأوا فيها حجارة مزخرفة وأزهارًا مستحسنة مختلفة، فأعجبهم ذلك وشغفوا به وأمعنوا في الجزيرة وتباعدوا عن المركب ونسوا أنفسهم ومقصدهم وبقوا لاهين بما رأوا من ذلك، حتى سارت السفينة فثارت عليهم الأسود والأساود تفترسهم وتنهشهم فلن يغن عنهم ما خدعهم وألهاهم من تلك الأحجار والأزهار، فصاروا كما قال تعالى حكاية عمن هذه

حاله: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢٩) .

[ذكر المال والأدب في اقتنائه والوجوه التي منها يحصل]

قد تقدم أن المال من الخيرات المتوسطة، لأنه كما قد يكون سببًا للخير فقد يكون سببًا للشر، لكن لما كان في أكثر الأحوال موجبًا كرامة أصحابه وتعطم أربابه حتى صدق قول الشاعر فيما قال:

الناس أعداء لكل مدقع ... صفر اليدين وإخوة للمكثر

قيل: رأيت ذا المال مهيبًا مكرمًا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نعم المال الصالح للرجل الصالح "، واستُصوب قول طلحة - رضي الله عنه - في دعائه: اللهم ارزقني مجدًا ومالًا فإنه لا يصلح المجدُ إلَّا بالمال، ولا يصلح المالُ إلا بمراعاة المجد، ونظر المتنبى هذا النظر حيث قال:

فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ... ولا مال في الدنيا لمن قل مجده

وقال بعض الحكماء: اطلب العلم والمال تحوي الرئاسة، فالناس خاص وعام

<<  <   >  >>