حق المعلم أن يجري متعلميه مجرى بنيه فإنه في الحقيقة لهم أشرف من الأبوين،
كما قال الإسكندر وقد سئل: أمعلمك أكرم عليك أم أبوك، فقال: بل معلمي؛ لأنه سبب حياتي الباقية ووالدي سبب حياتي الفانية، وقد نبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك بقوله:" أنا لكم مثل الوالد " فحق معلم الفضيلة أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هو في
إرشاد الناس خليفته فيشفق عليهم إشفاقه ويتحنن عليهم تحننه، كما قال تعالى في وصفه - صلى الله عليه وسلم -: (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)
وأي عالم لم يكن له من يفيده العلم صار كعاقر لا نسل له فيموت ذكره بموته، ومتى استفيد علمه كان في الدنيا موجودًا، وإن فقد شخصه كما قال أمير المؤمنين علي كرم اللَّه وجهه:" العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم فىِ القلوب موجودة "، وقال بعض الحكماء في قوله تعالى:(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)
أنه سأله نسلًا يورثه علمه لا من يورثه ماله فأعراض
الدنيا أهون عند الأنبياء من أن يشفقوا عليها، وكذا قوله تعالى:(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي) أي: خفت أن لا يراعوا العلم، وعلى هذا قال عليه الصلاة والسلام:" العلماء ورثة الأنبياء "، وكما أن من حق أولاد الأب الواحد أن يتحابوا ويتعاضدوا ولا يتباغضوا، كذلك من حق بني العلم الواحد، بل الدين الواحد أن يكونوا كذلك، فأخوة الفضيلة فوق أخوة الولادة، ولذلك قال تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
وقال تعالى:(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)
وحق العالم أن يصرف من يريد إرشاده عن الرذيلة إلى الفضيلة بلطف
في المقال وتعريض في الخطاب، فالتعريض أبلغ من التصريح لوجوه:
أحدها: أن النفس الفاضلة لميلها إلى استنباط المعنى يميل إلى التعريض شغفًا