للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باستخراج معناه بالفكر، ولذلك قيل: رب تعريض أبلغ من تصريح.

الثاني: أن التعريض لا تنتهك به سجوف الهيبة ولا يرتفع به ستر الحشمة.

والثالث: أنه ليس للتصريح إلا وجه واحد، وللتعريض وجوه، فمن هذا الوجه يكون أبلغ، ومن هذا الوجه حذف أجوبة كثير من الشروط المقتضية للثواب والعقاب

نحو قول اللَّه تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) .

والرابع: أن للتعريض عبارات مختلفة فيمكن إيراده على وجوه مختلفة، ولا يمكن إيراد التصريح إلا على وجه واحد، إذ ليس له إلا عبارة واحدة.

والخامس: أن صريح النهي داعٍ إلى الإغراء، ولذلك قال من قال: فإن اللوم إغراء، وقال الشاعر:

دع اللوم إن اللوم يغري وإنما ... أراد صلاحًا من يلوم فأفسدا

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيء " وكفى ذلك لشهادة ما كان من أمر آدم - صلى الله عليه وسلم - وحواء في نهي اللَّه تعالى إياهما

عن أكل الشجرة.

ومن حق المعلم مع من يفيده العلم أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علمه الله تعالى حيث قال: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)

فلا يطمع في فائدة من جهة من يفيد علمًا ثوابًا لما يوليه، وليعلم أن من باع علمًا بعرض دنيوي فقد صادم الله تعالى في حكمه، وذلك أن الله تعالى جعل المال خادمًا للمطاعم والملابس جعلها خادمة للبدن، وجعل البدن خادمًا للنفس، وجعل النفس خادمًا للعلم، فالعلم مخدوم غير خادم،

والمال خادم غير مخدوم. فمن جعل العلم ذريعة إلى اكتساب المال فقد جعل ما هو مخدوم غير خادم خادمًا لما هو خادم غير مخدوم.

<<  <   >  >>