جواهر، وهي قاعدة على حجر مدور، يتبعها ناس كثير يلتمسون ما عندها، وهي لا تسمع قولًا ولا ترى وجهًا، وقد اعتزل عنها قوم قليلو العدد، وقعدوا ناحية، وفي كل ساعة تقبض قبضة مما في حجرها وتعطيها واحدًا من القوم لا تخص أتباعها، بل ربما تخطئهم وربما تعطيهم، كأنها المعنية بقول من قال من الشعراء:
لا تمدحن ابن عباد وإن مطرت ... كفاه جودًا ولا تذممه إن ذمما
فليس ييخل إبقاء على نشب ... ولن يجود بفضل المال معتزما
لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلًا ولا كرما
وتارة تعرج على من أعطته فتسلبه سلبًا وتدوسه بحجرها دوسًا.
وأما الفضائل الأخروية: فكما قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر، ولهذا قال تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) .
[سبب إخفاق العاقل وإنجاح الجاهل]
الحكمة تقتضي أن يكون العاقل الحكيم في أكثر الأحوال مقلًّا، وذلك أنه لا يأخذ المال إلَّا كما يجب من الوجه الذي يجب، وفي الوقت الذي يجب، ثم إذا أخذه وتناوله لم يدخره عن مكرمة تعن له.
والجاهل أسهل عليه الجمع من حيث لا يبالي فيما يتناوله بارتكاب محظور واستباحة محجور.
واستنزال الناس عما في أيديهم بالمكر، ومساعدتهم على ارتكاب الشر طمعًا
في نفعهم له، وكثيرًا ما ترى من هم في جملة الموصوفين بقوله تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠)
شاكين لبختهم، فبعضهم يغضب على الفلك، وبعض يعتب على القدر، وبعضهم يتجاوز الأسباب فيعاتب اللَّه تعالى، حتى قال بعض المجان عند قوله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ)
زال الرا، ولو تولى غيره قسمة أرزاق الورى، جرت خطوب بيننا لكنها تحت العرا.
وذلك لحرصهم على ارتكاب المقابح، ولجهلهم بما يقيض اللَّه لعباده من المصالح.