نفسه، ولم يزل مرضه.
فمن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرَّا به الماء الزلالا
فأما من كمل فإنه يستطيب الحق وإن كان ثقيلًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " وجعل قرة عيني في الصلاة ". ومن أصلح وهذب نفسه فقد حاز أعظم المآلين.
فمن ملك نفسه وقواها، وهذبها وزكاها فقد اطلع به على ملكوت السموات والأرض، وملك أطوع جيش بلا عطاء يلزمه، وقد نبَّه اللَّه تعالى على ذلك بقوله: (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٠)
فجعل النبوة مخصوصة فيهم، وجعل الملك عاما لهم تنبيهًا على المعنى الذي ذكرت، وعلى ذلك قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)
ونذكر بعد ذلك أنواع نعم اللَّه تعالى وما يكتسب منها، واللَّه ولي الفضل والإحسان.
أنواع نعم اللَّه تعالى الموهوبة والمحتسبة
نعم اللَّه تعالى وإن كانت لا تحصى مفصلة كما قال سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)
فإنها بالقول المجمل خمسة أنواع:
الأول: وهو أعلاها وأشرفها السعادة الأخروية وإيَّاها قصد بقوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)
وذلك هو الخير المحض والفضيلة الصرف، وهو أربعة أشياء: بقاء بلا فناء،
وقدرة بلا عجز، وعلم بلا جهل، وغنى بلا فقر. ولا يمكن الوصول إلى ذلك إلا باكتساب الفضائل النفسية واستعمالها، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)
وأصول ذلك أربعة أشياء:
العقل وكماله العلم، والعفة وكمالها الورع، والشجاعة وكمالها المجاهدة،
والعدالة وكمالها الإنصاف، وهي المعبَّر عنها بالدين. ويكمل ذلك بالفضائل البدنية