وقال تعالى:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
وكل واحد من هؤلاء الحفظة إذا عرف مقدار نفسه ومنزلته، ووفَّى حق ما هو بصدده فهو في جهاد يستوجب من اللَّه تعالى أن يحفظ مكانه ثوابًا على قدر عمله.
لكن قل ما ينفك كل منزل منها من شرير في ذاته، وشره في مكسبه، وطالب لرئاسته، وجاهل معجب بنفسه، يصير لأجل تنفيق سلعته صادفًا عن المنزل الذي فوق منزلته من العلم وعائبًا له، فلهذا ترى كثيرًا ممن حصل في منزل من منازل العلم دون الغاية عائبًا لما فوقه، وصارفًا عنه من رامه، فإن قدر أن يصرف عنه الناس بشبهة مزخرفة فعل، وإلَّا نفر الناس عنه بوجه آخر، فهو ممن قال اللَّه تعالى فيهم:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) .
ولا أرى من هذا صنيعة إلا من الذين وصفهم اللَّة تعالى بقوله:(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) .
وذكر الترمذي - رحمه الله - هذه المسألة، وقال: إذا كان من يقطع على الناس طريق مكاسبهم الدنيوية يستحقون ما ذكره اللَّه تعالى بقوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
فما الظن بما يستحقه من العقوبة من يقطع الطريق على المسافرين إلى اللَّه،.
وحكي عن عيسى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يا علماء السوء قعدتم على باب الجنة فلم تدخلوها، ولم تدعوا غيركم يدخلها، (مثلكم كمثل الصخرة وقفت في طريق الماء لا هي تشرب الماء ولا
هي تترك الماء يخلص إلى الزرع) ، وكشجرة الدفلى يروق من نظر إليه ويقتل من أكله.
[الحث على تناول البلغة من كل علم والاقتصار عليه]
من كان قصده الوصول إلى جوار اللَّه تعالى فليتوجه نحوه، كما قال تعالى:(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)
وكما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:" سافروا تغنموا ".
فحقه أن يجعل أنواع العلوم كزاد موضوع في منازل السفر، فيتناول منه في كل منزل قدر البلغة، ولا يعرج على تقصِّيه واستفراغ ما فيه، فتقصِّي الإنسان نوعًا واحدًا من