به، ولتحري المساواة جعل الله تعالى أعضاء الإنسان الواقعة في الأطراف زوجين اثنين، وجعلها في الأوساط واحدًا واحدًا، وللاقتداء بذلك تحرى النقاشون بإزاء كل منقوش في جانب منقوشًا مثله في الجانب الآخر، لئلا تكون الصور معوجة، والعدل هو وسط أطرافه كلها جور، فالجور: هو الخروج عن الوسط بزيادة أو نقصان، ولذلك صار
الجور والخطأ بالإضافة إلى العدل والصواب من حيز ما لا نهاية له، والعدل والصواب من حيز التناهي وإدراكه صعب عسر، ولصعوبة ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " استقيموا ولن تحصوا "، وتمدح - عز وجل - فقال:(وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)
تنبيهًا أنه هو المتحقق بوصف العدل والصواب من كل شيء، وقد قال بعض الصوفية: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: بلغني يا رسول اللَّه أنك قلت: " شيبتني سورة هود وأخواتها " فما الذي شيبك منها؟ ! فقال:" قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ)
ولما كان الوصول إلى ذلك عسرًا جدا صار ضابطه إذا تحرى
فيه بجهده وإن أخطأ فيه معذورًا، بل مأجورًا، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " من اجتهد فأخطأ فله أجر ومن اجتهد فأصاب فله أجران ".
[أنواع العدل وما يستعمل ذلك فيه]
العدل ضربان: عدل مطلق: يقتضي العقل حسنه ولا يكون منسوخًا في شيء من الأزمنة ولا يوصف بالجور في حال، وذلك هو جذب الإحسان إلى من أحسن إليك وكف الأذية عمن كف أذاه عنك.
وعدل مقيد: يعرف كونه عدلًا بالشرع ويمكن أن يكون منسوخًا في بعض الأحوال والأزمنة، وذلك مقابلة السوء بمثله كأحوال القصاص وأروش الجنايات، وكأخذ مال المرتد، وهذا النحو يصح أن يوصف على المجاز في بعض الأحوال بالجور، ولذلك قال