للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)

فسمى جزاء السيئة سيئة من حيث إنه لو لم يكن معتبرًا بالسيئة المتقدمة كانت هي سيئة، وعلى ذلك: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨)

وبالنظر إلى النوع الأول والاعتبار به قال بعض المتكلمين:

يعرف العدل والجور قبل الشرع، وبالنظر إلى النوع الثاني والاعتبار

به قال بعضهم: لا يعرفان إلَا بالشرع، وعلى الجملة فالشرع مجمع العدالة وبه تعرف حقائقها، ولو توهمناه مرتفعًا لكان يؤدي إلى أن لا يكون عدل على الحقيقة في شيء من جزئيات الأفعال، ولا يكون في كثير من كلياتها، فالعدل المحمود هو الذي يتحرى فعله لا رياء ولا سمعة ولا رغبة ولا رهبة وإنما يكون تحريًا للحق عن سجية.

والذي يجب أن يستعمل الإنسان معه العدل خمسة أشياء:

الأول: بينه وبين رب العزة - عز وجل - بمعرفة توحيده وأحكامه.

والثاني: بين قوى نفسه، وذلك بأن يجعل هواه مستسلمًا لعقله، فقد قيل: أعدل الناس من أنصف عقله من هواه.

والثالث: بينه وبين أسلافه الماضين في إيثار وصاياهم والدعاء لهم.

والرابع: بينه وبين معامليه في أداء الحقوق، والإنصاف في المعاملات من البيع

والشراء والكرامات وجميع المعاوضات والإجارات.

والخامس: بث النصفة بين الناس على سبيل الحكم، وذلك إلى الولاة وخلفائهم.

وأما الحكام العدول في الأرض فثلاثة:

حاكم من اللَّه تعالى: وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والعامل والآمر به: وهو كل والٍ عدل.

والناض المعتبر به: وأعلاه الدينار ومعناه بالفارسية " دين أورده " والناض من وجه كالحاكم ومن وجه كالآلة للحاكم يعتبر به إذا قيس عمل بعمل، ولما كانت الشريعة مجمع العدالة ومنبعها صار من امتنع عن التزامها وانتظامها أظلم ظالم، ولهذا قال - عز وجل -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ)

وقال: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)

ولكون الكفر ظلمًا قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)

فقابل المؤمن بالظالم.

<<  <   >  >>