للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإما بسماع كلامه تعالى من غير مصادفة عين كحال موسى - صلى الله عليه وسلم -، وإما بإلقاء في الروع في حال اليقظة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر "، وإما بالمنام وهو المعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة "، وينطوي على ذلك قوله تعالى:

(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) .

[ما يعرف به فضيلة العلم]

فضيلة العلم تعرف بشيئين:

أحدهما: بشرف ثمرته، والآخر: بوثاقة دلالته، وذلك كشرف علم الدين على علم الطب فإن ثمرة علم الدين الوصول إلى الحياة

الأبدية، وثمرة علم الطب الوصول إلى الحياة الدنيوية المنقطعة، وعلم الدين أصوله مأخوذة عن الوحي، وأصول الطب أكثرها مأخوذ من التجارب، ورب علم يوفي على غيره بأخذ الوجهين، وذلك الغير يوفي عليه بالوجه الآخر كالطب مع الحساب فللطب شرف الثمرة، إذ هو يفيد الصحة، وللحساب وثاقة الدلالة، إذ كان العلم به ضروريا غير مفتقر إلى التجربة، وليس يجب أن يحكم بفساد علم لخطأ وقع من أربابه كصنع

العامة إذا وجدوا من أخطأ في مسألة ما حكموا على صناعته بالفساد، وإذا رأوا من أصاب في مسألة حكموا على صناعته بالصحة، وذلك عادتهم في الطب والتنجيم، فيعتبرون الصناعة بالصانع خلاف ما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: " يا حار، ملبوس عليك الحق، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله "، وليس يدرون أن الصناعة مبنية على شيء روحاني، والمتعاطي لها يباشرها بجسم وطبع يضامها العجز، فهو خليق بوقوع الخطأ منه، ثم إن الإنسان قد ينتحل ما لا يحسنه، ويتذرع بدعوى ما لم تجز آلته، ثم كثير ممن يتخصص بصناعة يدعي لصناعته ما ليس في طبعها ككثير من المنجمين المدعين ما لا يوجد في التنجيم، فإذًا لا اعتبار بدعاوى الناس.

<<  <   >  >>