نفسه بقدر وسعه إلي نفسه، وكذلك النار والأرض والهواء فالواعظ إذا كان غاويًا جر بغيه غيره إلى نفسه، ولهذا حكى اللَّه تعالى عن الكفار قوله: (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا)
وقال أيضًا: (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢) .
فمن ترشح للوعظ ثم فعل فعلًا قبيحًا اقتدى به غيره فقد جمع بين
وزره ووزرهم، كما قال تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
وقال تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها يوم القيامة "، بل قد قال اللَّه تعالى: (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) .
[صعوبة المعيار الذي تدرك به حقائق العلوم]
كما أن للدراهم والدنانير ميزانًا قد عرف أهلها صحته فلكل علم ميزان نحو: الحساب للمعدودات، والهندسة للممسوحات، والعروض للشعر، والنحو للألفاظ العربية، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)
وأوصى الذين أعطاهم الموازين فقال: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)
وقال تعالى: (أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥)
فكل شاكٍ أو منازع غيره في مقدار فحقه أن يعتمد ميزانه إن عرفه ويقلد أربابه إن لم يعرفه، فإن من ترك ذلك وأخذ يخرص ويحزر ويظن ويخمن لم يزل شكه ولم يسقط خلافه، فالخرص قلما يصدق والظن قلما يوافق ويحقق، ولذلك عبر بالخرص عن الكذب، فقال تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
وقال تعالى: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)
وقال تعالى في ذم الظن: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨)
ومعلوم أن ميزان الدين الذي صوابه يوصل إلى الثواب العظيم
وخطؤه يفضي إلى العذاب الأليم أصعب الموازين وأشرفها وأولاها بالمعرفة، وكثير في زماننا ممن تحلى بعلم الكلام وترشح فيه للجدال والخصام ورام الزعامة فيه قبل أوانها،