[ما يجب على المتعلم أن يتحراه]
حق المترشح لتعلم الحقائق أن يراعي ثلاثة من الأمور:
الأول: أن يطهر نفسه من رديء الأخلاق تطهير الأرض للبذر من خبائث النبات، وقد تقدم أن الطاهر لا يسكن إلا بيتًا طاهرًا، وأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب.
الثاني: أن يقلل من الأشغال الدنيوية ليتوفر زمانه على العلوم الحقيقية:
فما صاحب التطواف يعمر منهلًا وربعًا إذا لم يخل ربعًا ومنهلا
وقد قال اللَّه تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)
والفكرة متى توزعت تكون كجدول تفرق ماؤه، فيتنشفه الجو وتشربه الأرض، فلا يقع به نفع، وإن جمع بلغ المزدرع فانتفع به.
والثالث: ألا يتكبر على معلمه ولا على العلم، فالعلم حرب للمتعالي كالسيل حرب للمكان العالي، ولهذا قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إيَّاك بعضه على خطر، وكأنما إيَّاه عني من قال:
خدم العلا فخدمنه وهي التي ... لا تخدم الأقوام ما لم تخدم
ومتى لم يكن المتعلم من معلمه كأرض دمثة نالت مطرًا غزيرًا فتلقته بالقبول لم ينتفع به. فحقه أن يضرع له، كما قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)
أي: لمن له بنفسه علم يستغنى به، أو تذلل لاستماع
العلم واقتباسه ممن عنده العلم، وقال بعض العلماء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " اليد العليا خير من اليد السفلى " إشارة إلى فضل المعلم على المتعلم، وفي تبين فضل المعلم حث للمتعلم على الانقياد له.
وكما أن من حق المريض أن يكل إلى الطبيب الناصح الذي وقف على دائه ليطلب الطبيب دواءه وغذاءه، فإنه إن اشتهى لم يشته إلا ما فيه داؤه ولم يجتوِ إلا ما فيه شفاؤه:
فمن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرًّا به الماء الزلالا
كذلك من حق التعلم إذا وجد ناصحًا أن يأتمر له، ولا يتأمر، عليه ولا يراده فيما