للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إمكان تغيير الخلق]

اختلف الناس في الخلق فقال بعضهم: هو من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه إن خيرًا وإن شرًّا كما قيل:

وما هذه الأخلاق إلا غرائز ... فمنهن محمود ومنها مذمم

ولن يستطيع الدهر تغييرخلقة ... بنصح ولا يسطيعه متكرم

ويعلق هذا القائل أيضًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من آتاه الله وجهًا حسنًا وخلقًا حسنًا فليشكر اللَّه "

وما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فرغ اللَّه من الخلق والخلق " الخبر، ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق - عز وجل -.

وقال بعضهم: يمكن ذلك، واستدل عليه بما روي: " حسنوا أخلاقكم "، ولو لم يكن لما أمر به.

وقال: إن اللَّه تعالى خلق الأشياء على ضربين:

أحدهما: بالفعل ولم يجعل للعبد فيه عملًا، كالسماء والأرض والهيئة والشكل.

والثاني: خلقه خلقة ما وجعل فيه قوة، ورشح الإنسان لإكماله، وتغيير حاله وإن لم يرشحه لتغيير ذاته، كالنواة التي جعل فيها قوة النخل.

وسهل للإنسان سبيلًا إلى أن يجعله بعون اللَّه نخلة، أو أن يفسده إفسادًا.

قال: والخُلق من الإنسان يجري هذا المجرى في أنه لا سبيل للإنسان إلى تغيير القوة التي هي السجية، وجعل له سبيلًا إلى إسلاسها، ولهذا قال اللَّه تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)

ولو لم يكن كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولما جوَّز العقل أن يقال للعبد

لم فعلتَ، ولم تركتَ، وكيف يكون هذا في الإنسان ممتنعًا وقد وجدناه فىِ بعض

<<  <   >  >>