[وجوب بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقلة الاستغناء عنهم]
بعثة الأنبياء إلى الناس من الضروريات التي لا بد لهم منها، وذلك أن جُل الناس يقصر عن معرفة منافعهم ومضارهم الأخروية جزئياتها وكلياتها، وبعضهم وإن كان لهم سبيل إلى معرفة كليات ذلك على سبيل الجملة فليس لهم سبيل إلى معرفة جزئياتها، ولا يمكن أن يعرفوا كيف يجب، ولا في أي وقت يجب، وكم يجب؟.
فلما كان كذلك مَنَّ اللَّه تعالى على كافة عباده، خاصهم وعامهم برسل بعثهم فيهم من أنفسهم يتلون عليهم آياته ويزكونهم ويعلمونهم الكتاب والحكمة. لكي إذا تمسكوا بذلك صلح معادهم ومعاشهم، وسهل عليهم إدراكهم؛ ولهذا أزاح اللَّه تعالى علتهم ببعثة الأنبياء فقال:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) .
[ما يعرف به صحة النبوة]
لكل نبي آيتان:
إحداهما: عقلية يعرفها أولو البصائر من الصديقين والشهداء والصالحين ومن يجري مجراهم.
والثانية: حسية يدركها أولو الأبصار من العامة.
فالأولى: ما لهم من الأصول الزكية، وصورهم المرضية، وعلومهم الباهرة،
ودلائلهم المتقدمة عليهم والمستصحبة، وأنوارهم الساطعة التي لا تخفى على أولي البصائر، كما قال الشاعر في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
لو لم تكن في آيات مبينة كانت ... بداهته تغنيك عن خبره
وذلك أن حق النبي أن يكون من أكرم تربة في العالم، وحيث يكون عقل أربابها أوفر، لذلك لم يبعث نبي من الأطراف التي تضعف عقول أربابها، ويجب أن يكون من عنصر كريم من بيت الفضل؛ ولهذا قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤)
ونبَّه بقوله:(ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) أنه جعل النبوة في أهل بيت واحد لا تخرج عنهم لكونهم أشرف.