للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الشاعر:

هذا الذي ترك الألباب حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقَا

فالذي يصير بذلك زنديقًا فبأن يسمى الجاهل الشرير أولى من أن يسمى العالم

النحرير، وقد قال حكيم: سوأة لمن أعطي العلم فجزع لفقد الذهب والفضة، ولمن أعطي السلامة والدعة فجزع لفقد التعب والألم، فثمرة العلم السلامة والدعة، وثمرة المال التعب والألم.

[تحقيق كون المال في أيدي الناس]

إن اللَّه تعالى أوجد أعراض الدنيا بلغة فاتخذها الناس عقدة، وجعل الدنيا منزلًا وممرًّا فصيروها موطنًا ومقرًّا، إلَّا قليلًا منهم فإنهم أنزلوها حيث أنزلها اللَّه تعالى، وهم الذين وصفهم بقوله: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)

تاجروا بها ربَّهم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) .

فأعراض الدنيا عارية في أيدي الناس مستردة، كما قيل:

وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يومًا أن ترد الودائع

وهي من وجه منيحة: منحت الإنسان لينتفع بها مدة، ويذرها لينتفع بها من بعده.

ومن وجه وديعة في يده: رخص له في استعمالها والانتفاع بها بعد أن لا يسرف فيها.

لكن الإنسان لجهله ونسيانه لما عهد إليه بقوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)

اغتز بها فظن أنها قد جعلت له هبة مؤبدة، فركن إليها

واعتمد عليها، ولم يؤدِ أمانة اللَّه تعالى فيها، ثم لما طُولب بردها تمنع منه وضجر، ولم ينزع عنها إلا بنزع روحه أو كسر يده وبعضهم - وهم الأقلون - حفظوا ما عهد إليهم فتناولوها تناول العارية والمنيحة والوديعة، فأدوا فيها الأمانة، وعلموا أنها مسترجعة، فلما استردت منهم لم يعضوا ولم يجزعوا، وردوها شاكرين لما نالوه منها، ومشكورين لأداء الأمانة فيها.

وقد ذكر بعض الحكماء في ذلك مثلًا فقال: إن مثل الناس فيما أعطوه من أعراض الدنيا مثل رجل دعا قومًا إلى داره، فأخذ طبقًا من ذهب، وجعل عليه بخورًا

<<  <   >  >>