[وجوب منع الجهلة عن حقائق العلوم والاقتصار بهم على قدر أفهامهم]
واجب على الحكيم والعالم النحرير أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قال:" يا معشر الأنبياء، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلم الناس على قدر عقولهم "،
وأن يتصور ما قال أمير المؤمنين طي بن أبي طالب - كرم اللَّه وجهه - حيث قال لكميل بن زياد، وأومأ بيده إلى صدره فقال:" إن هاهنا علومًا جمَّة لو وجدت لها حملة بلى أصيبت لقنًا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا، فستظهر بنعمة اللَّه تعالى على عباده، وبحجته على كتابه، أو منفادًا لأهل الحق لا بصيرة له يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة "،
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذب اللَّه ورسوله "، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ما أحد يحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان ذلك فتنة على بعضهم "، وقال عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -: " لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع، وقد قيل تصفح طلاب حكمك كما تتصفح خطاب حرمك،
وبهذا ألم أبو تمام فقال:
وما أنا بالغيران من دون جيرتي ... إذا أنا لم أصبح غيورًا على العلم
وقيل لبعض الحكماء: ما بالك لا تطلع أحدًا على حكمة يطلبها منك، فقال: اقتداءً بالباري - جلَّ وعلا - حيث قال:(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)