للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القول في العدل وفضله]

العدل لفظة تقتضي معنى المساواة، ولا تستعمل إلَّا باعتبار الإضافة، وهي في

التعارف إذا اعتبرت بالقوة فهيئة في الإنسان يطلب بها المساواة، فإذا اعتبرت بالفعل فهو التقسيط القائم على الاستواء، وإذا وصف اللَّه تعالى بالعدل فليس يراد به الهيئة وإنما يراد به أن أفعاله واقعة على نهاية الانتظام، فالإنسان في تحري فعل العدالة يكون تام الفضيلة إذا حصل مع فعلد هيئة مميزة لتعاطيه، فقد يقع فعل الإنسان موصوفًا بالعدل ولا يكون ممدوحًا به نحو أن يقسط مراءاة أو توصلًا إلى نفع دنيوي أو خوف عقوبة السلطان.

والعدل تارة يقال: هو الفضائل كلها من حيث إنه لا يخرج شيء من

الفضائل عنه، وتارة يقال: هو أكمل الفضائل من حيث إن صاحبه يقدر أن يستعمله في نفسه وفي غيره، وهو ميزان اللَّه المبرأ من كل ذلة، وبه يستتب أمر العالم، ولذلك قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)

وقال: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)

وعبر عن العدل بالميزان إذا كان من أثره ومن أظهر أفعاله الحسية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " بالعدل قامت السموات والأرض "،

أي: لو كان شيء من موجودات العالم وأصوله زائدً عما هو عليه

أو ناقصًا عنه لم يكن منتظمًا هذا النظام، ومن فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضده لا يستتب إلا به، فلو أن لصوصًا تشارطوا فيما بينهما شرطاً فلم يراعوا العدل فيه لم ينتظما أمرهم، ومن فضله أن كل نفس سليمة تلتذ وترتاح بسماعه وتتألم من ضده، ولذلك يستحسن الجائر عدل غيره إذا رآه أو سمع به، وقد قيل: العدل لا يخاف الله، أي: من حيث العدل لا خوف عليه، ولحسن العدل والمساواة تتألم النفس من كل ما كان مركبًا في العالم ليس له نظام مستقيم فيكره العرج والعور ويتشاءم

<<  <   >  >>