للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا تعلم أن شرف المطعم والمشرب بالإضافة لا بالإطلاق، فألقِ يا إنسان عن مناكبك الدثار وجل البصيرة، واستعمل الاعتبار تجد صدق ما قلت. ومن تناول من الطعام أكثر من ذلك كره له طبا وشرعًا، أما طبًّا فيدل عليه قول الشاعر:

فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء، وعود كل بدن بما اعتاد "، قال ابن زكريا المتطبب: ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطب شيئًا إلا وأتى به في هذه الكلمات الثلاث.

وأما شرعًا فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما من وعاء أبغض إلى اللَّه من بطن مليء من حلال " وذاك أن امتلاء البطن مقوٍ للشهوة، وقوة الشهوة داعية للهوى، والهوى أعظم جند للشيطان، ومن آثر هواه وانتشر في بدنه حل في كل عضو منه جزء بقدر وسعه له فكثر جنود الشيطان، والشيطان إذا تسلط على الإنسان سباه من ربه وصرفه عن بابه،

وقد قيل لحكيم: ما بالك مع كبرك لا تتفقد بدنك وقد انهد،

فقال: لأنه سريع المرح فاحش الأشر، فأخاف أن يجمع بي فيورطني، ولأن أحمله على الشدائد أحب إلي من أن يحملني على الفواحش.

والضرب الثاني من المطعم: ما يستغنى عنه ولو توهمناه مفقودًا لم يختل بافتقاده

البدن، وأعظمه ضررًا المسكر فنفعه ليس بضروري وتناوله تسهيل لطريق الشيطان إلى تهييج القوة السبعية وإثارة سلطان الهوى، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ)

وقد قيل: حيث يسكن الشراب واللهو لا تسكن العفة والحكمة.

فإن قيل فقد قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)

<<  <   >  >>