للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجرى وزان وحججه كالميزان والمنظور فيه كالموزون، فمتى كان الناظر غير تام العقل كان أعمى البصيرة فيجري مجرى وزان أعمى البصر فلا سبيل له إلى الوزن، ومتى لم يكن أعمى البصيرة لكنه غير عارف بقوانين البراهين والحجج والأدلة كان جاريًا مجرى وزان عدم الميزان فأخذ يخمن، والمخمن قلما ينفك من غلط، بل ما وقع منه من الصواب فغير معتد به، إذ لا أصل له تسكن إليه النفس، ومتى لم يكن أعمى البصيرة

ولكنه لا يعرف أي حجة يستعمل فيما هو بصدده فيطلب المعقول من جهة المحسوس، والمحسوس من جهة المعقول كان جاريًا مجرى وزان بصير لكنه يزن الدنانير بصنج الدراهم والدراهم بصنج الدنانير.

وأما ما كان من جهة اللفظ فإما أن يكون واقعًا من جهة مفردات اللفظ، أو من جهة مركباته، فإن كان من مفردات اللفظ فإما أن يكون من حيث إن اللفظ مشترك بين معنيين كالعين واليد ونحوهما، أو يكون اللفظ عامًّا موضوعًا موضع خاص أو خاصًّا موضوعًا موضع عام، أو يكون اللفظ مستعملًا على سبيل المثل والإشارة والرمز أو يكون اللفظ مستعملًا لشيء لم تتقرر صورة ذلك الشيء في نفس السامع فيخيل إليه وهم فاسد كاعتقاد كثير من الناس اعتقادات فاسدة في الملائكة والجن والشياطين والجنة والنار والميزان والصراط والكرسي.

وأما ما كان من جهة التركيب فإما أن يكون من جهة الكمية، وذلك بأن يكون اللفظ أكثر مما يجب أو أقل مما يجب أن يكون، وإما من جهة الكيفية وذلك أن يقدم ما حقه أن يؤخر، أو يؤخر ما حقه أن يقدم كقول الشاعر (الفرزدق:

وما مثله في النفس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

ومن أجل ما وقع في الألفاظ من الشبه قال الحكماء: يجب أن يكون نظر الإنسان في المعنى إلى اللفظ أكثر من نظره من اللفظ إلى المعنى فإن اللفظ في الحقيقة لا يدل على المعنى إلا بواسطة صورة ذلك المعنى في القلب، ومتى لم تثبت صورة المعنى في القلب لم يفهم من اللفظ المعنى ألبتة.

<<  <   >  >>