ما يجب وبقدر ما يجب، وكذلك الفزع قد يكون مفرطًا فيتولد منه الجبن الهالع، ومقصرًا فيتولد عنه الوقاحة والغمارة كمن لا يفزع من شتم آبائه وتضييع حرمه وأصدقائه، وقد يكون متوسطًا كما يجب وبقدر ما يجب ولكونهما - أعني الغضب
والفزع - على حالين محمود ومذموم صارا يحمدان تارة ويذمان أخرى، فإن الغضب في نحو قوله تعالى: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)
والفزع في نحو قول الشاعر:
فزعت لظلمه إلخ محمودان،
والتهور في الأمور العملية هو الثبات المذموم في الأمور
المعطبة، والجبن هو الفزع في الأمور المعطبة.
وأطم أن أنواع الشجاعة خمسة:
سبعية: كمن أقدم لثوران غضب وتطلب غلبة،
وبهيمية: كمن حارب توصلًا إلى مأكل أو منكح، وتجريبية: كمن حارب مرارًا فظفر فجعل ذلك أصلًا ييني عليه، وجهادية: كمن يحارب ذبًّا عن الدين، وحكمية: وهي ما تكون في كل ذلك عن فكر وتمييز وهيئة محمودة بقدر ما يجب وعلى ما يجب،
ألا ترى أنه يحمد من أقدم على كافر غضبًا لدين اللَّه أو طمعًا في ثوابه أو خوفًا من عقابه أو اعتمادًا على ما رأى من إنجاز وعد اللَّه في نصرة أوليائه، فإن كل ذلك محمود
وإن كان محض الشجاعة هو أن لا يقصد بالإقدام حوز ثواب أو دفع عقاب، فقد قيل
من عبد اللَّه بعوض فهو لئيم.
والفرق بين المقدم في الحرب لمحض الحكمة وإخلاص الدين وبين المقدم لغير ذلك هو أن المقدم لغير الحكمة والإخلاص يخاف الموت أكثر مما يخاف المذمة الصادقة، والمقدم للحكمة والإخلاص بالضد من ذلك فإنه يختار الموت الحميد على الحياة الذميمة، ولذلك قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: " أيها الناس إنكم إن لم تقتلوا تموتوا، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على فراش "،
ومن الشجاعة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه أو غيره، وكل واحد منهما ضربان: مجاهدة النفس بالقول: وذلك بالتعلم. وبالفعل: وذلك بقمع الشهوة وتهذيب الحمية
ومجاهدة الغير بالقول، وذلك تزيين الحق وتعليمه، وبالفعل وذلك مدافعة الباطل ومتعاطيه بالحرب.