إن بعض النظريات الحديثة ترفه عن المجرم حتى يظن أنه موضع إكرام بما جنى، وتدعي أن القصد من العقاب التربية والتأديب فقط، وأنه لا يجوز أن يقصد به إلى الانتقام، وتزعم أن الواجب درس نفسية الجاني، فتلتمس له المعاذير من ظروفه الخاصة، وظروف الجريمة، ومن نشأته وتربيته، ومن صحته ومرضه، وما يعتمل في جوانحه من عواطف وشهوات، وما يحيط به من مغريات أو موبقات، إلى آخر ما هنالك، مما لعلكم أعلم به مني. ونسي قائلوها أن يدرسوا المجني عليه هذا الدرس الطريف، ليروا أي ذنب اجترح، حتى يكون مهددا في سربه، معتدى عليه في مأمنه، من حيث لا يشعر. ولم يفكروا أي الفريقين أحق بالرعاية: أمن جعلته ظروفه ونشأته ونفسيته وما إلى ذلك هادئاً مطمئناً، لا ينزع إلى الشر، فكان مجنيا عليه، أمن كان على الضد من ذلك فكان جانياً؟
إن الله خلق الخلق وهو أعلم بهم، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم ما يصلح الفرد وما يصلح الأمة، وقد شرع الحدود في القرآن زجراَ ونكالاً، بكلام عربي واضح لا يحتمل التأويل. أفيعتقد المخدوعون منا بمثل هذه النظريات أن السنيور لمبروزو أعلم بدخائل نفس الجاني من خالقه؟ أم هم يشكون في أن هذا القرآن من عند الله؟
أيها السادة!
إن المدنية الأوربية قد أفلست، بما بنيت عليه من عبادة المادة، بعد أن جنت على بلاد المسلمين ما جنت. وإن العالم يغلي ويفور، وإنه ليستقبل أحداثاً كباراً، وانقلابات هائلة في مصائر الأمم. وكما عرفنا بعد الحرب الماضية