للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي: " سبب تبسمه - صلى الله عليه وسلم - فرحه بما رأى من اجتماعهم على الصلاة، واتباعهم لإمامهم، وإقامتهم شريعته، واتفاق كلمتهم، واجتماع قلوبهم، ولهذا استنار وجهه - صلى الله عليه وسلم - على عادته إذا رأى أو سمع ما يسره يستنير وجهه" (١).

فلذا أصرّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على إمامة ابي بكر، رغم محاولة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من صرفه إلى عمر - رضي الله عنه - ثاني رجل في الإسلام بعد أبي بكر - رضي الله عنه -، لحرصها على أبيها من تشاؤم النّاس، قالت:" والله، ما بي إلاّ كراهية أن يتشاءم النّاس، بأول من يقوم في مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (٢)،إلا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غضب، لحرصه على إمامة الصديق - رضي الله عنه -،ومما يؤكد أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رضي بهذا الفعل أمامة أبي بكر الصديق للناس من بعده، أنه حين خرج للصلاة وأراد أبو بكر الرجوع عن الإمامة أشار إليه ان اثبت، والله أعلم.

وكذا قول عمر - رضي الله عنه - لما طلب منه أبو بكر أن يصلي بالنّاس مكانه حين أرسل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال:"أنت أحق بذلك" (٣).قال النووي معلقا على هذا الحديث:" فيه فوائد منها فضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وترجيحه على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتفضيله وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله - رضي الله عنه - من غيره" (٤).

وعلى كل حال فالهدف هنا واضح المعالم، فالعمل المطلوب: (الإمامة –إمامة الصلاة وإمامة الدولة من بعده).ومن يقوم به؟: (أبو بكر الصديق)، ومتى؟ (الآن)،وكذا في المستقبل القريب (بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -)،ولماذا؟: لأن الأمة لابد لها من إمام يقودها من بعده - صلى الله عليه وسلم -.

ومن الأمثلة الأخرى أيضاً: أرسال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى (يثرب)، بعد بيعة العقبة الأولى، وأمره أن يعلمهم القرآن ويبين لهم الإسلام. فهذا الهدف مكتمل الشروط:

العمل واضح: التعريف بالإسلام (سفير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليهم).ومن يقوم به؟ (مصعب بن عمير - رضي الله عنه -).

ومتى يقوم به؟ (من العقبة الأولى إلى الحج-العقبة الثانية-).ولماذا؟ لينشر دين الله في النّاس، ويمهد لمقدم المسلمين، وكذا ينقل تصوره إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن حال يثرب.

وهنا نكتة عظيمة تظهر عظمة قيادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،وذلك في اختيار مصعب بن عمير (تحديداً) دون سائر الصحابة - رضي الله عنهم -،والسبب كما يبدو أنّ يثرب تحمل صفات المدينة من الناحية العمرانية، والإقتصادية،


(١) شرح مسلم ٤/ ١٤٢.
(٢) كما في لفظة لمسلم ١/ ٣١٣ (٤١٨)،وغيرهم.
(٣) قطعة من حديث أخرجه مسلم ١/ ٣١١ (٤١٨).
(٤) شرح مسلم ٤/ ١٣٧،وينظر فتح الباري ٢/ ١٥٤.

<<  <   >  >>