ولم يكن قد بقي لفاطمة من أيام النعيم إلا جواهرها، فقال لها يوماً: يا فاطمة، قد علمتِ أن هذه الجواهر قد أخذها أبوك من أموال المسلمين وأهداها إليك، وإني أكره أن تكون معي في بيتي. فاختاري إما أن ترديها إلى بيت المال أو تأذني لي في فراقك! قالت: بل أختارك والله عليها، وعلى أضعافها لو كانت لي! وردت الحلي إلى بيت المال.
وعاشت زوجة الخليفة معيشة لا تصبر على مثلها زوجة موظف من الدرجة العاشرة، ورضيت بذلك اتباعاً لزوجها وأملاً بثواب ربها.
وشاركته خوفه من الله وتفكيره في الآخرة. دخل عليه مرة رجل صالح من جلسائه، فقال له عمر: أرقت البارحة مفكراً في القبر وساكنه. فقال الرجل: فكيف لو رأيت الميت بعد ثلاثة أيام، والدود قد غطى جسده وأكل لحمه، بعد حسن الهيئة وطيب الرائحة ونقاء الثوب؟ فبكى عمر وخر مغشياً عليه. قالت فاطمة لمولاه مزاحم: ويلك يا مزاحم، أخرج هذا الرجل.
فخرج الرجل، ودخلت على عمر فجعلت تصب الماء على وجهه وتبكي حتى أفاق من غشيته، فرآها تبكي. قال: يا فاطمة، ما يبكيك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، رأيت مصرعك بين أيدينا فذكرت مصرعك بين يدي الله للموت وتخليك عن الدنيا وفراقك لها، فذلك الذي أبكاني.