للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحية، فشدّه فجاء في يده «هِمْيان» (١) فيه الذهب، عرفه من رنينه وثقله؛ فأحس كأن جوعه وعطشه قد ذهبا، وكأن القوة قد صُبّت في أعصابه والشباب قد عاد إليه، وتصور أنه سيحمل إلى نسائه الشبع والدعة والراحة، ويملأ أيديهن مما كُنّ يتخيلنَه ولا يعرفنَه من نعيم الحياة ورغد العيش. وجعل يفكر فيما يشتريه لهن، وكيف يتلقين هذه النعمة التي ساقها الله إليهن، حتى كاد يخالَط في عقله.

ثم تنبه في نفسه دينه، وعلا صوت أمانته يقول له: إن هذا المال ليس لك، إنما هي لقطة لا بد لك من التعريف بها سنةً، فإذا لم تجد صاحبها حلت لك. وتصوّر السنة وطولها، وهو الذي يبحث عن عشاء يومه. وهل يبقى حياً سنة أخرى؟ وهل تبقى أسرته في الحياة؟ وماذا ينفعه أن يكون الذهب له بعدما مات من الجوع ومات معه من يرثه؟

وأحس كأن قواه قد خارت، وودّ لو أعاد الهميان إلى مكانه ولم يكن قد ابتُلي بهذه البلية. ولكنه كان رجلاً فقيهاً يعلم أن اللقطة إن مُست فلا بد من التعريف بها، وإن هو أرجعها إلى مكانها وفُقدت كان المسؤول عند الله عنها، أما إذا لم يمسها فلا شيء عليه منها.

وجعلت الأفكار تصطدم في رأسه وتتراكض وتصطرع، حتى شعر أن عظم صدغيه سيتكسر من قرع الأفكار المتراكضة في رأسه.


(١) نطاق تُجعل فيه النفقة ويُشَدّ على الوسط.

<<  <   >  >>