للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان له من ضخامة المطلب الذي يسعى إليه، وعظم الخطر الذي يُقدم عليه، شاغل عن التفكير في ثقل هذه الليلة وانفراده في الغاب والخوف من أن تنشق هذه الظلمة المتراكبة حوله عما يؤذي ويروع ... حتى إذا بلغ الصخرة التي تقوم عند باب المعبد وقف وأحجم، وخالطته هيبة شديدة، ووقر على صدره شيء لم يجد مثله في الغاب الموحش.

ولم يكن غلاماً تفزعه الأشباح، ولا كان الجبان الرعديد، ولكن ما وضعوه في نفسه وهو صغير من أسرار المعبد وعجائبه جعله يشب ويكتهل ولا يزال أمامه مثل الطفل الصغير. وكان فارسَ البلد غير مدافع، وبطل المعارك المكفهرة، ولكن المعبد غير الميدان. ولئن واجه في الميدان رجالاً مثله، ففي المعبد قوى لا يراها وخفايا لا تصنع معها شجاعته شيئاً. ولم يدخله قط، إنما يدخل المعبد هؤلاء النفر من الشيوخ الذي مارسوا من أنواع العبادة والرياضات ما جعلهم أهلاً لدخوله، ثم لا يخرجون منه أبداً، ولا يجوز لهم أن يعودوا فيروا نور الشمس ولا زهر الروض. وكان يشعر بأن لهؤلاء الكهنة مهابة في قلبه ومحبة، ويحس بالخوف منهم وهو الذي يواجه الأبطال الصناديد ويقدم على الموت الأكيد غير خائف ولا وَجِل.

وطال وقوفه عند الصخرة وهو يتهيب أن يقرعها بيده على نحو ما أمروه أن يفعل إذا هو وصل. وجعل يحدق في الظلام، فرأى كأن شخصاً عظيم الهامة له لحية بيضاء عريضة قد نبع من الأرض، ففزع وارتاع، ولكنه سمع صوتاً إنسانياً يناديه باسمه ويدعوه إلى أن يتبعه، فعلم أنه الحارس الموكل بباب المعبد.

<<  <   >  >>