للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلحق به وقلبه يخفق تطلعاً إلى ما وراءه من خفايا وأسرار، فاجتاز به سرداباً طويلاً ملتوياً تضيئه مصابيح نحاسية منقوشة، يخرج منها لهيب أزرق يتراقص فيلقي على الجدران الصخرية ظلالاً عجيبة، وفي السراديب تماثيل «آلهة» (١) ذات صور بشعة مرعبة، يومض من عينيها ضوء أحمر فيكون لها منظر يخلع قلوب الجبابرة. وفي السرداب شقوق يدخل منها الهواء فيصفر صفيراً مخيفاً، كأنه صوت سرب من البوم. ثم دخل به غرفاً منقورة في الصخر، حتى انتهى به إلى قاعة الكهنة الذين لا يراهم أحد (لأنهم لا يخرجون من المعبد، وقل أن يدخِلوا أحداً عليهم) والذين كانوا هم حكّام البلد وملوكه وأصحاب الكلمة فيه، لا يجرؤ على مخالفة أمرهم أحد إلا حقت عليه لعنة «آلهة ...» المعبد ذات الوجه البشع المرعب!

لم يستطع الرجل من دهشته أن يدير نظره فيما حوله أو أن يملأ عينيه من الكهنة ومن كان معهم، وسمع كلاماً ينصبّ في أذنيه بصوت خافت رهيب كأنما هو يسمعه حالماً، وفهم أن المتكلم يذكر ماضي سمرقند وسالف مجدها، وكيف هبط عليها هؤلاء المسلمون هبوط البلاء، فأزاحوا عرشها وحطموا جيشها، وحكموا وملكوا أمرها. ثم أفاض في الكلام على الخطة التي اختطها لإفساد أخلاقهم ودينهم وإضعافهم وإلقاء الخلف بينهم، وكانت خطة شيطانية ارتجف لسماعها.

ثم عاد المتكلم فقال: غير أنّا رأينا أن نرجئ خطتنا ونرمي آخر سهم في جعبتنا؛ وذلك أنّا سمعنا أن لهؤلاء القوم ملكاً عادلاً


(١) ولا إله إلا الله.

<<  <   >  >>