للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدلَّ ذلك كلُّه على أنه تفسير للحق الذي استثناه الله -تعالى-

في كتابه، وعلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحيث ما وجد دليل من الشرع، وجب الانتهاء إليه، ما لم يدل دليل آخر على نَسْخِه وتخصيصه، وما أشبه ذلك من الوجوه التي يجب المصير إليها. وعند تصفح هذه الأحداث الأُخر، التي جاء وجوب القتل فيها

-أيضاً-؛ يتبين لك الفرق في الوضوح، والتمييز للناظر بينها وبين الثلاث التي أفردت عنها في الحديث الذي ظاهره الحصر؛ وذلك: أن قتل الذي بويع له ثانياً يفتقر إلى نظر وتأمل: هل كان قصد بذلك الخلاف على الأول، أو لم يكن علم ببيعة الأول، أو كان هو أحقَّ من الأول، أو كان بينهما من المسافةِ في الأرض وبُعْدِ البلاد ما لا يدركه نظر الأول، أو لم يعثر عليه حتى مات الأول؟

وكذلك من خرج على الناس، وأمرهم جميع، يحتمل أن يكون متأوِّلاً، فيجب أن يُبيَّنَ له، أو يكون مظلوماً، فيجب أن ترفع ظلامته، وما كان من نحو هذا، وكذلك ما وقع من النظر والاجتهاد في مانعي الزكاة، وكذلك فيمن ترك الصلاة، فكل واحدٍ من هذه يفتقر في تمييز نوعه الذي يجب القتل به، من غيره الذي لا يجب فيه إلى حالات واجتهادات يغمض معها دَرْكُ الثقة باستحلال القتل، فبذلك فارقت معنى الثلاث الأول، فكان حصر الحِلِّيَّةِ فيها مُشعراً بوجوب النظر والتثبت فيما عداها مما أحله الشارع -أيضاً-؛ لافتراق وجوه التمييز في الاستحلال، والله أعلم.

ولما كان هذا الباب مختصّاً بقتال المرتدين، والمحاربين، وأهل البغي، وكلهم إمَّا مسلم في الحال، أو قد تقدم له اعتصام بالإسلام، وجب تقديم هذا الأصل، وتمهيد هذه القاعدة، ثم نعود إلى تفصيل القول في ذلك، بحسب ما وضع له هذا الباب، وهو يشتمل على ثلاثة أصناف: المرتدين، والمحاربين، وأهل البغي. فلنُقَسِّم القول فيه على ثلاثة فصول:


= الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) (رقم ٢٠) .
وأخرجه البخاري -أيضاً- في عدة مواطن من «صحيحه» (الأرقام: ١٤٥٦، ٦٩٢٥، ٧٢٨٥) .

<<  <   >  >>