للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واخلتفوا من ذلك في ثلاثة مواضع:

أحدها: هل يستتاب المرتد قبل القتل، أو يقتل بنفس الردَّة؟

والثاني: هل حكم المرأة في القتل بالردَّة حكم الرجل أو لا؟

والثالث: في لواحق أحكامه: في ميراثه، وأولاده، وجناياته حال ارتداده.

فصل

فأما اختلافهم في استتابة المرتد، فلأهل العلم في ذلك قولان مشهوران:

قول: إنه يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن عمر (١) ،


(١) أخرج عبد الرزاق في «المصنف» (١٠/١٦٥ رقم ١٨٦٩٦) ، من طريق سفيان الثوري، وسعيد بن منصور في «سننه» (٣ رقم ٢٥٧٣) من طريق خالد بن عبد الله، والبيهقي في «الكبرى» (٨/ ٢٠٧) من طريق علي بن عاصم، جميعهم عن داود، عن الشعبي، عن أنس قال: بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر -رضي الله عنه-، فسألني عمر -وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين- فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: فأخذت في حديث آخر لأُشغله عنهم، فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين! قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلماً أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس من صفراءَ أو بيضاءَ، قال: قلت: يا أمير المؤمنين! وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم؟ قال: كُنْت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلتُ منهم، وإلا استودعتهم السجن.
فعلى هذا، فليس مذهب عمر قتل المرتد إذا لم يتب.
وأخرج مالك في «الموطأ» في كتاب الأقضية (باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام) (ص ٤٥٤ رقم ٧٩٤- ط. دار إحياء التراث) -ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (٨/٢٠٧) -، وعبد الرزاق (١٠/ ١٦٤-١٦٥ رقم ١٨٦٩٥) ، وابن أبي شيبة (١٠/١٣٨ رقم ٩٠٣٥) في «مصنفيهما» ، وابن عبد البر في «التمهيد» (٥/٣٠٦-٣٠٧) جميعهم من طريق عبد الرحمن بن عبد القاري، عن أبيه، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجلٌ من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مُغَرِّبةٍ خَبَرٌ؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه. قال: فما فعلتم به؟ قال: قرّبناه، فضربنا عنقه. فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتوه كل يومٍ رغيفاً، واستتبتموه، لعلَّه يتوب، ويراجع أمر الله؟! ثم قال عمر: اللهم إني لم أَحْضُر، ولم آمر، ولم أَرْضَ إذْ بلغني.
وهذا لفظ مالك. واسم الرجل الذي خاطبه عمر: مجزأة بن ثور. كما عند عبد الرزاق. =

<<  <   >  >>