الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذه السورة العظيمة سورة النساء قد عالجت كثيراً من القضايا الاجتماعية الهامة، كقضايا المرأة والأسرة وقضايا المجتمع والدولة، والسلم والحرب، وعالجت أحوال الجاهليين وما كان فيها من جور وظلم واستبداد وعدول عن الحق والعدل، في أمور كثيرة، وأحوال متعددة، من أهمها ما كانت الجاهلية تعامل به اليتامى والنساء وبخاصة اليتيمات منهن، وقد أولت هذه السورة الكريمة هذا الجانب وهو حقوق، اليتامى اهتماماً عظيماً، بل إن أول وصية في السورة بعد الأمر العام بتقوى الله وتقوى الأرحام هي الوصية باليتامى والعناية بهم وحفظ أموالهم، والعدل مع اليتامى، وتوريثهم، وكشف عوار الجاهلية وتعسفها فيما تعامل به اليتامى من ظلم، يتمثل ذلك في أكل أموالهم بغير حق، بل بأكلها إسرافاً ومبادرة خوف كبرهم، ومن منع اليتيمات من الزواج لأجل أكل أموالهن، أو يزوجن من الأوصياء أو الأولياء أو من أقاربهم، ممن لا يعدلون معهن في المهور والنفقات، بل ولا في نصيبهن من الأزواج لأن زواجهم بهن ليس لرغبة فيهن وإنما رغبة في ما لهن كيلا يذهب هذا المال بعيداً في الغرباء.
كما يتمثل هذا الظلم بالجور على الصغار والضعفاء والنساء، فلا يسلم لهم نصيبهم الحقيقي من الميراث، وإنما يستبد بالميراث أو بمعظمه الرجال الأقوياء الذين يحملون السلاح ويكسبون ويكتسبون، ولا ينال منه الضعفاء شيئًا، وإن أعطوا منه شيئًا فقليل لا يذكر، موكول إلى ضمائر قساة القلوب من الرجال الأقوياء. فيا سبحان الله كيف يحرم من هذا الميراث من هم في أشد الحاجة إليه، وهم الضعفاء ويخص به الرجال الأقوياء، إنها النظرات الجاهلية وسفاهات العقول الضالة، والتي لم تهتد بوحي السماء، وإن ذا العقل السليم المتجرد عن العصبية والهوى يلحظ